على مدار يومي 21 و22 نوفمبر 2020، ناقش قادة مجموعة العشرين (G20) برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز "أيده الله" آثار جائحة كورونا على الاقتصادات العالمية، مؤكدين ضرورة التأهب لمواجهة الأوبئة والتعامل معها. حيث خرج البيان الختامي للقمة بالتشديد على التوزيع العادل للقاحات الوقائية من فيروس كورونا " "COVID – 19 وبأسعار تناسب جميع الفئات في مختلف دول العالم.
منذ بدء الأزمة في شهر مارس الماضي، والمملكة تسارع بتطبيق الإجراءات الاحترازية والوقائية مع تصاعد مراحل الحظر وصولاً إلى الحظر الكُلّي حرصاً على حياة جميع السكان دون تفرقة، وضربت في سبيل ذلك أحد أفضل الأمثلة عالمياً في التعامل مع الجائحة ومعالجة آثارها الاقتصادية والاجتماعية. ندلل على ذلك بتصريح ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان "حفظه الله": " تُعد المملكة أحد أفضل 10 دول في التعامل مع التبعات الاقتصادية لجائحة كورونا ضمن مجموعة العشرين".
لقد شكّلت "الجائحة" اختباراً حقيقياً لرؤية "السعودية 2030"، التي تستهدف تنويع الاقتصاد بالتركيز على الصناعة كخيار استراتيجي يحقق التنمية المستدامة دون الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للإيرادات، حيث برزت الصناعات المحلية غير النفطية - رغم الإغلاق شبه الكامل الذي تعرض له الاقتصاد العالمي - كداعم قوي للاقتصاد الوطني، وهو ما كشفته تصريحات ولي العهد "حفظه الله" بارتفاع الإيرادات غير النفطية إلى نحو 360 مليار ريال هذا العام 2020م، كاشفاً "سموه" أن بقاء مستويات العام 2015م المُقدرة بحوالي 100 مليار ريال كان كفيلاً "بخفض رواتب القطاع العام بنسبة تتخطى 30% وإلغاء جميع البدلات والعلاوات، إلى جانب إيقاف الإنفاق الرأسمالي بالكامل، مع عدم القدرة على تشغيل وصيانة أصول الدولة بالشكل المناسب، وتوقف دعم بند نفقات التمويل". لتمنح الجائحة - رغم قسوة نتائجها عالمياً - شهادة ثقة في رؤية "السعودية 2030" وفي حكمة وبُعد نظر قيادتنا الرشيدة.
وعلى ذات النهج، كانت الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية "مدن" حاضرة بقوة في المشهد الصناعي خاصة خلال "الجائحة"، باعتبارها إحدى الجهات المحورية لتحقيق رؤية المملكة في النهوض بالقطاع الصناعي، من خلال 35 مدينة صناعية تشرف عليها في مختلف أرجاء المملكة، يعمل بها أكثر من 3600 مصنع منتج وأكثر من 6300 عقد صناعي وخدمي ولوجستي، بإجمالي استثمارات تتجاوز 367 مليار ريال (أكثر من 100 مليار دولار)، كما تعمل ضمن مستهدفاتها على تحفيز القطاع الخاص ودعمه بتقنيات الثورة الصناعية الرابعة لتعزيز دوره في الاقتصاد الوطني.
وساهمت "مدن" مع تفشي الجائحة، في دعم الاقتصاد الوطني بتوفير احتياجات السوق المحلية من السلع المختلفة وعلى رأسها المنتجات الغذائية والطبية، حيث نجحت في رفع أعداد المصانع الغذائية والطبية بمدنها الصناعية منذ عام 2016م -عام تدشين رؤية (السعودية 2030)- بنسبة 200% و150% على التوالي لتصل إلى ما يقارب 915 مصنعاً غذائياً وأكثر 173 مصنعاً طبياً، وكان العام الماضي 2019م الأكثر نشاطاً في جذب الاستثمارات ليشهد تدشين 187 مصنعاً غذائياً و33 مصنعاً طبياً نتيجة لفاعلية وسهولة الإجراءات اللازمة لبدء العملية الإنتاجية في أقصر وقت وأقل جهد وتكلفة.
إن دور "مدن" الرئيس في التنمية الصناعية يضع على عاتقها مهمة مواكبة مستجدات قطاع التصنيع العالمي ونقل وتوطين المعرفة الصناعية إلى المملكة، وهو ما ظهر جلياً بإطلاقها برنامج الإنتاجية الوطني خلال العام 2019م بالشراكة مع صندوق التنمية الصناعية السعودي ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية KACST، لمساعدة المصانع على التحوُّل الرقمي وتحقيق أعلى معدلات الكفاءة الإنتاجية عبر وضع خطط تحوُّل لتطبيق مبادئ التميز التشغيلي وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة على 100 مصنع قائم، بهدف خلق نماذج ناجحة يقتدي بها المصنعون، حيث بدأت المرحلة الأولى قبل عام مضى بالتوقيع مع 20 مصنعاً منهم 9 مصانع تم تسليمهم تقارير التحوُّل إلى الثورة الصناعية الرابعة، ونحن الآن على وشك تدشين المرحلة الثانية التي تضم 40 مصنعاً قائماً.
وتعزيزاً لهذا التوجه، وللمساهمة في بناء قطاع صناعي قوي وحديث أطلقت "مدن" كذلك مبادرة تحفيز الحلول الرقمية الأساسية في المصانع بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، لتشجيع التوجه نحو تبني تقنيات الثورة الصناعية الرابعة وتوفير الممكّنات الرقمية المناسبة للمنشآت الصناعية، كذلك التحفيز على اعتماد خدمات وحلول "مفتوحة المصدر" داخل قطاعنا الصناعي، كما تم إيصال شبكات الفايبر إلى خمس مدن صناعية هي: "المدينة الصناعية الثانية بجدة، المدينة الصناعية الثالثة بجدة، مدينة سدير للصناعة والأعمال، المدينة الصناعية بالخرج، والمدينة الصناعية الثالثة بالدمام"، بهدف استكمال البنية التحتية الرقمية وتوفير خدمات اتصالات عالية الجودة، هذا بالإضافة إلى وجود اتفاقيات جديدة سوف يُعلن عنها قريباً مع بعض مقدمي خدمات الاتصالات لإيصال خدمات الجيل الخامس إلى المدن الصناعية.
إن الثورة الصناعية الرابعة بحق هي القطار القادم بسرعة البرق لإعادة هيكلة الاقتصاد العالمي بكافة عناصره، والمملكة بحكمة وإدارك قيادتها الرشيدة "حفظهم الله" عازمة على الارتقاء بتنافسية الاقتصاد المحلي إقليمياً وعالمياً في إطار رؤية 2030، من أجل التحوُّل إلى قوة صناعية رائدة ومنصة عالمية للخدمات اللوجستية تربط قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، بما يؤدي إلى زيادة حجم التجارة المتدفقة بين القارات الثلاث، وتعظيم مكاسب المملكة الاقتصادية.